الأستاذ احمد بدا القاري : حزب العدالة والتنمية يسير في الاتجاه الخاطئ. بتحكم نخب مستفيدة حريصة على البقاء

هل تعيش التيارات الحزبية الاسلامية في شمال افريقيا “تآكلا “لشعبيتها ولخياراتها، بسيب ممارسة السلطة، ام ان افكارها تغيرت بسبب اصطدامها بواقع التدبير الحكومي؟.
هل تعيش تلك التيارات أزمات داخلية، كانت سببا في تراجع شعبيتها، ام انها استلذت طعم السلطة، فتغيرت القناعات؟
في الحوار التالي مع الاستاذ القاري احمد بدا، نلامس اسباب ما تعيشه التيارات السياسية الاسلامية، بعد عشر سنوات من ظهورها كبديل، وصولها إلى سلطة قرار التدبير في عدد من البلدان المغاربية وغيرها .
يرى الأستاذ القاري احمد بدا، بأن التيارات الإسلامية تفادت المجابهة مع الدولة العميقة في عدد من البلدان، وأن مسار الديمقراطية الذي بدأ مع الثورات العربية لم يستمر لعدة عوائق.
نص الحوار: علي الانصاري


*كانت التيارات السياسية هي البديل ،ما بعد سمي الربيع العربي،هل فشل هذا التيار في إحداث تغيير،أم تعثرت؟
** صعدت التيارات الإسلامية بعد الثورات العربية تلقائيا لأنها الأكثر تنظيما والأكثر مصداقية وقربا من الجمهور. للأسف لم تتمكن الأحزاب الإسلامية من المناورة وسط حرص الدولة العميقة على المحافظة على امتيازاتها.
وفي ظل خوف عدد من القوى الدولية من تمكن الديمقراطية في الدول العربية، النتيجة كانت عدم السماح للتجربة الديمقراطية بالاستمرار، إما بانقلاب مكشوف كما حصل في مصر، أو بتمرد لجزء من البلاد كما هو الحال في ليبيا أو بالتشويش المستمر كما يجري في تونس.
* هل يتعلق الأمر بطبيعة السياسة في هذه البلدان ام بالبنية الفكرية والتدبيرية للتيارات الإسلامية نفسها ،ونظرتها للحكم؟
**الحريات التي ظهرت في البلدان العربية كانت إجراء وقتيا من الدولة العميقة ولم تكن اختيارا نهائيا، الأحزاب المنتخبة لم تمسك دفة الحكم بشكل فعلي، وبالتالي كانت الجيوش والأجهزة الأمنية قادرة على استعادة المبادرة.
الأحزاب الاسلامية فضلت تجنب المواجهة، ربما لإدراكها أنها خاسرة بسبب موازين القوى، في مصر تعرض حزب الحرية والعدالة للاجتثاث، في ليبيا قزمت ترتيبات الانتخابات على أساس مساواة الأقاليم الثلاثة في عدد المنتخبين من حضور حزب العدالة والبناء، وفي تونس وجدت حركة النهضة نفسها مضطرة لقبول صفقات سياسية تعطيها أقل من حجمها الانتخابي لتجنب الاستئصال.
*في تونس ،ساهمت حركة النهضة وتشبثها بالحكم رغم غياب إنجاز حقيقي لسنوات من التدبير ،ساهمت خلق ازمة حكم في تونس وتفرع الخلافات بين المكونات السياسية ولم تساهم في تراجع الفكر المتطرف، ما السبب في رأيك؟

**بقدر ما يمكن الحديث عن عناصر مشتركة في تجربة الثورات العربية فإن تعميم الأحكام على كل التجارب مجحف، هناك خصوصيات واضحة لكل تجربة تجعل الحالة في مصر مختلفة بدرجة كبيرة عن الأردن مثلا.
المشترك هو الاتجاه السريع للتغيير وإتاحة الحريات وإفساح الفرصة للأحزاب خلال 2011 و2012، الأنظمة كانت مرتعبة خوفا من الشارع.
لكن منذ 2013 كانت المسارات مختلفة، التحالف الخليجي الغربي مع القوى المعادية للتغيير في مصر مكن العسكر من السيطرة على الحكم. لتبدأ مذابح قتل فيها الآلاف وحملات اعتقال لعشرات الآلاف، لم يستفد المعتدلون من أي امتياز في مصر فالنظام العسكري يضيق بأي تلميح للمعارضة.
ساد تصور نهاية 2013 أن ما سمي الثورة المضادة سيكتسح كل البلدان التي شهدت انفتاحا ديمقراطيا، لكن ذلك لم يحدث، في المغرب استمر حزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة وفي تونس تم اعتماد الدستور ونظمت الانتخابات في وقتها، تمرد حفتر ظل ينكسر في كل هجمة على أسوار طرابلس التي ظلت خاضعة لحكم مدنيين يجري انتقال الحكم بينهم بسلاسة وسلمية.
تم قمع حراك البحرين وظل الوضع في الأردن يراوح مكانه دون حسم في اتجاه الديمقراطية ولكن دون استخدام لآلة الدولة الباطشة.
النموذج المصري لم يستطع النجاح في تقديم نفسه مثالا تحتذيه باقي الدول بسبب القمع والتضييق على الحريات والفشل الاقتصادي، وبذلك استمر حبيس حدود مصر.
حراك الجزائر أدى لإفشال محاولة عهدة ثالثة للرئيس بوتفليقة، دور حركة مجتمع السلم ظل هامشيا في حراك اتسم بأنه بدون قيادة حزبية، سلمية الحراك الجزائري أبهرت العالم فهو حراك بدون حوادث أمنية رغم مشاركة مئات الآلاف في مظاهراته الأسبوعية.
وفي السودان دفع المتظاهرون الجيش لإسقاط البشير، وخلافا للتوقعات لم يظهر سيسي سوداني حتى الآن، وما تزال الحريات في السودان أفضل كثيرا من حالها في مصر.
* هناك نقاش الان حول فشل اختيار ما يسميه الإسلاميون ” المعتدلون” الإصلاح من الداخل ، كيف ترى ذلك؟
**تبين تجربة الثورات العربية أن التغيير لا يمكن أن يأتي بواسطة حزب واحد أو اتجاه محدد من الاتجاهات السياسية في المجتمع، التغيير في حاجة لتحالف واسع ومشاركة من الجميع، أو على الأقل من أغلبية واسعة.
يجب الانتباه إلى أن الحركات الإسلامية العربية تخلت عن وصف “الإسلامي” في مسمياتها الحزبية بسبب الاشتراطات القانونية، فكلها تحمل أسماء عامة، فالقانون في البدان العربية، خلافا للحالة في أوربا، لا يسمح بوجود أحزاب تحمل تسميات دينية.
وبالنظر للحركة الدائبة للأحزاب التي توصف بالإسلامية إلى تبني مواقف ليبرالية فربما يكون الاستمرار في إطلاق ذلك الوصف عليها أمرا مفتقدا للدقة، خاصة أن عموم الأحزاب تقبل الإسلام دينا للدولة والمجتمع.
التكيف مع ظروف عمل سياسي ومشاركة في حكم يتصرف فيه معينون بقوة وحزم أكثر من المنتخبين أفقد الأحزاب مصداقيتها أمام المواطن وجعلها في حرج من أمرها، إنها تخشى الصدام وتعمل ضمن هامش المسموح به وبالتالي تعجز عن الوفاء بما تعهدت به من تغيير ومحاربة للفساد.
* يرى البعض بان فشل تيار الإسلام” المعتدل” في المشاركة السياسية ، سينعش التيارات المتطرفة ؟
** لا يوجد ما يثبت ذلك، فبينما ينتعش التطرف وأحزابه في دول أوربا ويحققون مكاسب أكبر في البرلمانات المركزية والمحلية لا يسمح القانون في البلدان العربية بأي تنظيم لمن يحملون فكرا متطرفا، ويبدو أن المجتمعات تتقبل هذا الأمر، مما يدفع بالخطاب المتطرف إلى الهامش، مقابل اقترابه الحثيث من المركز في أوربا، وهذه نقطة يجب الانتباه والتنبيه لها باستمرار فهي للأسف غائبة إعلاميا.
• في المغرب ،وبعد عشر سنوات من تدبير الحكومة ،يعيش حزب العدالة والتنمية صراعا داخليا حول مبادئ التأسيس والتي تاكلت بسبب تنازلات يفسرها البعض باكراهات المشاركة السياسية ،وآخرون بتنازلات من أجل البقاء في الحكم، ماذا يجري بالنسبة لكم؟

**أضرت المشاركة بحزب العدالة والتنمية بدل أن تنفعه. الحزب لم يتمكن من بناء ممارسة ديمقراطية داخلية تؤمن تشبيب قياداته وتجلب له عددا كبيرا من المنتمين.
حزب العدالة والتنمية انتقل من التأثير في العمل الحزبي في المغرب إلى التأثر به. وبالتدريج تحول إلى حزب الأمين العام. سعد الدين العثماني مضى على خطوات بن كيران في زيادة التحكم في الحزب وإقصاء المخالفين وإسكاتهم. مع ممارسة نقاش داخلي شكلي لا يمت بصلة للممارسات الحزبية بمعاييرها في التجارب الديمقراطية.
تماما كما حدث لحزب الاتحاد الاشتراكي يسير حزب العدالة والتنمية في الاتجاه الخاطئ. بتحكم نخب مستفيدة حريصة على البقاء في مناصب قيادية في الحزب والحكومة يتم تدمير جاذبية الحزب للجمهور. تلك الجاذبية التي جعلت مئات الآلاف يصوتون للحزب دون أن يعرفوا اسم المرشحين على قوائمه المحلية انطلاقا من اقتناعهم بوجاهة خطاب قياداته المركزية ونظافة أيديها من الفساد والمال العام.
* هل يغيب الفاعل السياسي الإسلامي ، التقييم الانتقادي لتجربته ويكتفي بالتبريرات “البكائية” و كونه مستهدف من جهات معادية؟
**المجتمع يميز جيدا ما يقدم له من تفسيرات، وبفضل التواصل الاجتماعي ووصول المعلومة يمكن للناخب أن يكتشف التبرير المفتعل من الحقائق الصلبة، لذلك يحتاج المشهد السياسي في المغرب وتونس والجزائر لأحزاب جديدة تدافع عن المجتمع إلى أقصى ما يسمح به الدستور والقانون، دون مبالغة في الخوف من العواقب ودون تهور، ولكن إلى أقصى ما يسمح به الدستور والقانون.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى