الإعلام العمومي و الانتقال الديمقراطي  

منى الحمومي

استعدادا لموعد انتخابي حاسم على كل المستويات يتبادر الى وعي المتتبع السياسي السؤال التالي: أي دور للإعلام العمومي في الانتقال الديمقراطي و عليه هل الإعلام العمومي كمرفق هو من حق المواطن و من واجبه تقديم الحقيقة و الكشف عن الاختلالات الممكنة.
لكن قبل البدئ،  من المهم تحديد ما المقصود بالإعلام العمومي( المكتوب، السمعي البصري و الالكتروني )، و أنه للتعرف عليه يجب النظر في من يموله، و من يتولى تعيين المسؤولين عليه و الهيئات المعنية باتخاذ القرارات، و كذلك سلطة الإشراف، و  الشروط التي يجب احترامها، لأن الاعلام يمر حاليا بمرحلة دقيقة في تاريخه ، و مهمته كبيرة جدا و مسؤوليته جسيمة  لأنه يجب ألا ينحاز لشخص أو لمؤسسة أو لهيكل معين، بل إن المؤسسة الإعلامية العمومية هي ملك للمجموعة و هي بالتالي مطالبة بإنارة السبيل و توضيح الرؤية، عبر تقديم الحقيقة و البحث في الحيثيات وعدم الاقتصار على طرف واحد، لا مجال لأن يعود الإعلام العمومي إلى ما كان عليه قبل ثورة الربيع العربي ، فالمواطن تغير و صار أكثر وعيا . من المفترض أن الاعلام العمومي و هنا اخص بالذكر التلفزة عمومية، يجب أن تنهض شبكتها البرامجية وفلسفتها الإعلامية على التنوع والتعدد الثقافي والفكري واللغوي، بما يحقق قيمة مضافة، ويسهم بشكل ملموس بدفع النقاش والحوار والتناظر حول القضايا التي ترتبط بانشغالات المغاربة . وبما أن التلفزة أصبحت تشكل النشاط الأول في المنازل، وبما أن هذه التلفزة تحقق حالة إجماع حول العديد من القضايا في وقت واحد وفي زمن قياسي، فإن الاستجابة لحاجيات و انتظارات المشاهدين المغاربة. مما يحتم عليها أن تنمي الذوق العام و ترفع من مستوى الأداء اللغوي، و تساعد على عملية التواصل لتسويق المشترك من القيم والانشغالات والرهانات، وتكرس مفهوم القرب والتعدد والتنوع والحداثة والوحدة الوطنية، والقيم الايجابية، لابد أن يؤطرها خط تحريري منسجم مع هذه البرامج وأهدافها، خط يمكن من ترجمة مفهوم التلفزة المبدعة ، ذات الخدمات العمومية المتنوعة والرسائل الإعلامية المواطنة والوطنية.
لكن ما يحصل ان القائمون على الشأن الإعلامي العمومي يدركون جيدا أن مقام المنابر التي يعملون بها هو من المجال الخاص، ومن ثم فهم ليسوا مطالبين بتقديم الحساب إلا لجهة معينة ، حتى إن كانت حكومة منتخبة، بامتداد شعبي واسع، بعبارة اخرى رغم محاولة تكريس خطاب عملية الدمقرطة عندما وجدت نفسها مكلفة بهذا الانتقال مع رفع شعارات الربيع العربي الداعية للتغيير،  ابت ورفضت تفعيل الانتقال الدمقراطي، وامتنعت عنه ،بعد ان صنعت لنفسها ووجدت نفسها محاطة  بخيوط متشابكة يختلط فيه الاقتصاد والسياسة..  حيث تحولت النخب السياسية  الى لعب دور مناقض للأهداف التي جاءت لأجلها ، وذلك بتأبيد حالة مشروع الانتقال حتى تضمن طول مدة  البقاء في مواقعها وتضمن مطالب الطبقة الناشئة، في ضل ما لانهاية لمشروع الانتقال هذا .
ولذلك، فإن فشل إصلاح المنظومة الإعلامية، ليس متأتيا فقط من الإكراهات التي يمر بها القطاع، ليس راجعا الى غياب في العزيمة و ضعف في التصور، ولا من تقصير في الرؤية حتى،  إنه راجع الى  سماكة الجهاز المراد إصلاحه، وعصيانه على التحول، وجنوحه الطبيعي للاستقلال عن الأحزاب والحكومات، فما بالك بالأفراد. و في الاخير ، فإننا نعتقد جازمين بأنه من الظلم أن نعتبر أن فشل الإصلاح بهذا القطاع هو فشل حكومة ما في ذلك. بالعكس، فإن تأكيد لتصور قائم مفاده أن الإعلام العمومي عصي على الإصلاح، لأنه مكمن رهانات وحسابات تتجاوز الأحزاب والحكومات والمشاريع، ولأنه ينهل من مصادر من الصعب الإمساك بدواليبها وآلياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى