
المؤسسة الديبلوماسية بالمغرب : تكريم فعاليات نسائية
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أقامت المؤسسة الدبلوماسية بالمغرب حق لا تكريمية لعدد من النساء المغربيات تحت شعار” النساء أولى ضحايا كوفيد-19 ورافعة للإقلاع بعد الجائحة”، وكان من ضمن المكرمات الوزيرة نزهة بوشارب، التي ألقت كلمة بالمناسبة جاء فيها:
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدة الوزيرة المحترمة؛
أصحاب المعالي ممثلي السلك الدبلوماسي بالمغرب،
السيدة المحترمة رئيسة جهة طنجة- تطوان – الحسيمة؛
السيدات والسادة كل باسمه وبصفته؛
الحضور الكريم؛
في بداية هذه الكلمة، أود التعبير عن سعادتي بالتواجد معكم في هذه التظاهرة المتميزة بمناسبة تخليد اليوم العالمي للمرأة.
كما أغتنم هذه المناسبة لأتوجه بعبارات الشكر إلى المؤسسة الدبلوماسية، وأخص بالذكر رئيسها السيد عبد العاطي الحابك، مشيدة بهذه المبادرة و بباقي المبادرات التي حرصت هذه المؤسسة على اتخاذها، في إطار فضاء مشترك للتبادل والحوار مع مكونات السلك الدبلوماسي المعتمد لدى المملكة المغربية.
الشكر موصول أيضا إلى معالي السيدات والسادة السفراء وإلى كل من ساهم، من قريب أو بعيد، في الإعداد لهذا اللقاء ،والذي يتطرق لموضوع ذي أهمية بالغة مرتبط بظرفية كوفيد-19 مع التركيز على دور النساء في الإقلاع بعد الجائحة.
سعادتي كبيرة أيضا، صاحبات وأصحاب المعالي والحضور ، لأنني جد متأثرة بالالتفاتة الكريمة للمؤسسة الدبلوماسية باختيارها لي ضيفة شرف لهذا الحفل ، وهو شرف أتقاسمه مع كل نساء المغرب، المشهود لهن بتلبية نداء الواجب والعطاء والصمود خلال ظرفية الأزمة الصحية الناجمة عن انتشار كوفيد -19.
وقد كنت أتمنى أن يجمع هذا اللقاء أكبر عدد من النساء، لكن التدابير الاحترازية المعتمدة، فرضت تقليص الحضور.
السيدات والسادة؛
نخلد اليوم الذكرى العاشرة والمائة (110) للعيد الأممي للمرأة تحت شعار عالمي” الريادة النسائية من أجل مستقبل المساواة في عالم ما بعد كوفيد-19″.
فعلى امتداد ما يفوق قرنا من الزمن، كان الاحتفاء بهذا اليوم مناسبة لإعادة استعراض الحصيلة حول أوضاع المرأة و رصد أهم المكتسبات المحققة، والأهم في ذلك تحديد رهانات وتحديات جديدة، من أجل بلوغ هدف المساواة والقضاء على كل أشكال التمييز.
ما يزيد عن قرن من الزمن من النضال من أجل حقوق النساء، كن خلاله حاضرات في قلب وسياق التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفها العالم. حيث حققن تقدما في العديد من المجالات، وأسهمن في بناء المجتمعات على أكثر من صعيد وواجهة.
السيدات والسادة؛
بخصوص موضوع هذ اللقاء المرتبط بالظرفية الصحية الاستثنائية التي عرفتها كل بلدان العالم؛ والتي كانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية، غيرت نظرتنا للحياة كما حتمت علينا تغيير أنماط عيشنا.
ولقد عشنا في المغرب، تجربة فريدة ومتميزة في التعاطي مع الجائحة.
فبفضل الرؤية السديدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده والمقاربة الاستباقية لجلالته، تم التعامل مع صحة وسلامة المواطنات والمواطنين كأولوية الأولويات، وواكب ذلك مجهود وطني تضامني كبير أرسى جلالته أسسه ومرتكزاته، من خلال إحداث صندوق خاص لتدبير جائحة كوفيد، والذي وجه للتخفيف من أثارها على الفئات الاجتماعية والمقاولات المتضررة .
وهكذا كانت الأزمة رغم صعوباتها وإكراهاتها الطارئة، فرصة لإعمال الابتكار في إيجاد البدائل والحلول من أجل الحفاظ على صمود النسيج الاقتصادي الوطني وعلى التماسك الاجتماعي، حيث حققنا في هذا الصدد وفي ظرف جد قياسي، إنجازات مشهود بها من طرف العديد من البلدان.
ويعود الفضل في ذلك، كما ذكرت سابقا، إلى الإرادة الملكية السامية، التي منحتنا طاقة إيجابية وأحيت فينا أكثر من أي وقت مضى، قيم التضامن والتآزر حيث لعبت المرأة دورا فعالا في تنزيلها وترسيخها، وكانت في الواجهة، متصدرة الصفوف الأمامية بكل تفاني ونكران للذات في تجسيد رائع لروح الوطنية والمواطنة.
وبالمناسبة، أريد من هذ المنبر، تجديد عبارات التقدير والامتنان، إلى كل النساء اللواتي كن ولا يزلن في الخندق الأمامي، وأخص بالذكر:
-عناصر الجيش الأبيض من طبيبات وممرضات وصيدليات وباقي مكونات المنظومة الصحية؛
-نساء القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة والسلطات الترابية وباقي الإدارات العمومية؛ -نساء التربية والتعليم على انخراطهن في إنجاح عملية التعليم عن بعد؛
-نساء القطاع الخاص
– وشكر خاص موجه إلى عاملات النظافة؛
-كما لا أنسى ربات البيوت اللواتي دبرن الفضاء الأسرى في ظل الجائحة بكل إكراهاتها ، حيث تحول هذا الفضاء، ليس فقط مجالا للعيش بل للعمل والتعليم.
وكانت هذه الجائحة أيضا فرصة لإعادة تدبير الفضاء الأسري وإعادة بناء الروابط الأسرية.
وما كان هذا ليتحقق لولا قدرة النساء على التحمل والتأقلم والصمود مع أي ظرف كان ومهما كانت دقته وصعوبته، إذ ألقت هذه الظرفية الدقيقة على عاتقها ،لاسيما في فترة الحجر الصحي، أعباء إضافية جديدة، سواء في ما يتعلق بأدوارها الأسرية أو المهنية.
ففي إطار هذه الأزمة وحسب عدد من الدراسات، كانت أنشطة النساء أكثر تضررا من تداعيات الجائحة نظرا لكون أكثر من 70 % منهن يشتغلن في القطاع غير المهيكل، كما ارتفعت حالات العنف الأسري بسبب الضغوطات الناجمة عن آثار الجائحة وتضاعفت حدة المعاناة النفسية في أوساط الأسر التي تعيلها النساء.
ولتجاوز هذه الاكراهات وتعزيز قدرة المرأة على الصمود أصبح ضروريا التسريع بالأوراش الإصلاحية، لاسيما المتعلقة باستفادة الفتيات من الحق في التربية والتعليم، وإدماج المرأة في القطاع المهيكل وتمكينها اقتصاديا.
وهنا تجدر الاشارة إلى الورش الوطني المهم المتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية والذي يشرف عليه صاحب الجلالة والذي سوف سيساهم لا محالة في تحسين أوضاع المرأة والأسرة.
السيدات والسادة؛
اسمحوا لي أن أتقاسم معكم، التجربة التي عشناها في قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في كيفية التعاطي مع هذه الظرفية الصحية الطارئة، حيث كانت نساء الوزارة إلى جانب زملائهن الرجال حاضرات بقوة في تدبير هذه الظرفية.
فبكل اعتزاز وافتخار، نسجل أن الوزارة تعد من القطاعات التي تسجل أكبر معدل لتواجد النساء : أكثر من 44% من الأطر و أكتر من 37% في مناصب المسؤولية.
وقبل أن أستعرض بعض معالم هذه التجربة، أريد ، توجيه تحية إشادة وتنويه بنساء الوزارة على اختلاف مسؤولياتهن، واللواتي اشتغلن على قدم وساق وبتفاني ونكران الذات، ليلا ونهارا خلال فترة الحجر الصحي، في إطار روح التضامن وقيم الوطنية والمواطنة من أجل ضمان استمرار خدمة المرفق العمومي مع اعتماد حلول مبتكرة، من أجل احتواء آثار ومخلفات الحجر الصحي وكذا الإعداد لخطة إقلاع القطاع .
لقد عشنا وتقاسمنا في الوزارة خلال تدبير ظرفية الحجر الصحي لحظات استثنائية قوية وجد مؤثرة. تغمرنا فرحة عارمة حين نتمكن من تحقيق إنجاز أو إيجاد حل. ونشعر بالأسى والحزن إذا ما داهمنا خبر مؤلم، وفاة أو إصابة أحد من زملائنا.
كان هاجسنا الاساسي على مدار الساعة هو التغلب على الصعوبات المطروحة، ولاسيما الحفاظ على صحة وسلامة العنصر البشري والمرتفقين، وعلى صمود القطاع.
وقد برهنت هذه التجربة أن سر النجاح لا يكمن فقط في الكفاءة والخبرة والقدرة على إبداع الحلول المبتكرة، ولكن أيضا في التحلي بقيم التضامن والمواطنة مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني.
السيدات والسادة؛
أي دور للنساء في الإقلاع الاقتصادي؟ هذا السؤال يترجم في جوهره إدراكا عميقا بالدور الفعال والناجع الذي تقوم به المرأة في الإقلاع الإقتصادي لما بعد كوفيد-19.
نريده إقلاعا تطبعه قيم المساواة والعدالة والإنصاف، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر :
1- تعزيز الريادة النسائية، لأنها هي الكفيلة بدعم الترافع والدفاع عن حقوق النساء وإدماج هذه الحقوق ضمن مخططات الإقلاع، وفي مختلف البرامج والسياسات العمومية.
2- تدعيم المشاركة الكاملة والفعلية للمرأة في اتخاذ القرار في مجال الشأن العام. وفي هذا الصدد، تكمن أهمية مشاريع القوانين الانتخابية التي صادق عليها المجلس الوزاري الأخير، والتي هي الأن قيد المناقشة والمصادقة في البرلمان، باعتبارها مدخلا أساسيا لتعزيز تمثيلية النساء في مختلف المجالس المنتخبة، بما يضمن مشاركتها الفعلية في تدبير الشأن العام.
3- إعمال المساواة بين الجنسين وضمان استقلالية كل من النساء والفتيات.
لذلك، حضرات السيدات والسادة، فإن مشاركة النساء في مواقع القرار ضرورة ملحة وحتمية. وهن مستعدات أكثر من أي وقت مضى للعب دور المحرك الأساسي لإعطاء دينامية جديدة لبرامج التنمية المستدامة ، بما يفيد ويعود بالنفع على الأجيال القادمة، لأن ما راكمنه من خبرة وقدرات ومعارف ، يؤهلهن للقيام بأدوار طلائعية في الإقلاع .
وهنا أستحضر فقرة من الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى المشاركين في أشغال القمة العالمية الثانية لمبادرة “نساء أفريقيا” بتاريخ 27 شتنبر2018:
“ومن هنا، فإن التدابير الرامية إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال، يجب أن تشكل عماد كل استراتيجية ناجعة للتنمية المستدامة”. انتهى كلام جلالة الملك
السيدات والسادة ؛
صحيح أن الجائحة شكلت امتحانا عسيرا لكل الأسر وخاصة النساء، لكنها كانت مناسبة لاستنتاج الدروس والخلاصات، والعمل على تبوأ المرأة المكانة اللائقة بها في بناء المجتمعات والنهوض باقتصادياتها.
وعلينا الآن تثمين المكتسبات من خلال:
– ترسيخ قيم التضامن وتوجيه كل الجهود نحو الفئات التي تعاني من الهشاشة؛
– إعادة النظر في الفضاء الأسري من خلال تقاسم المهام سواء في مجال العمل أو رعاية الأطفال، أو العادات الغذائية والصحية والأنشطة الترفيهية ..)؛
– اعتماد أنماط جديدة للاستهلاك والإنتاج مبنية على سلسلة توريد القرب واستهلاك المنتجات المحلية.
وإذا كانت المناسبة شرط، فإنني أغتنم هذا المحفل الدبلوماسي، لأؤكد على أهمية الشراكة والتشبيك الدولي، من أجل تبادل الخبرات والممارسات الجيدة، والتفكير في آليات مبتكرة من شأنها إيجاد حلول لتحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين .
بعد ما يزيد عن قرن من الترافع من أجل حقوق المرأة؛ فإن ما عشناه في ظرف سنة واحدة، يلزمنا بالانتقال من مرحلة الترافع من أجل قضية مجتمعية عالمية إلى مرحلة المشاركة الفعلية والكاملة للمرأة في اتخاذ القرار.
كل عام ونساء المغرب ونساء العالم بخير .
شكرا على حسن الإصغاء.