
الملحون .. فن يحمل عبق التاريخ وقصائد تروي قصصا من ألف ليلة وليلة مغربية الحبكة والشخوص
شيماء مرزوق، الرباط
الملحون أو القصيدة الملحنة هو تراث مكتنز يختزل مقومات الثقافة المغربية العربية الأندلسية ومظاهر حياتها الأصيلة، فهو مزيج من فن العيطة الشعبي الأندلسي الغزناطي الذي يتميز به خصيصا المغرب، ويتخذ من اللهجة العامية أداته، ومن مضامين اللغة الفصحى بشعرها ونثرها مادته التي تتلون مواضيعها بألوان التوسلات الإلهية والمدائح النبوية والربيعيات والعشق والهجاء والرثاء.
جذور فن الملحون
يرجع العلامة ابن خلدون تاريخ ظهور فن الملحون إلى عهد الموحدين، وذلك خلال القرن السابع الهجري، وقد ظهر في مدينة تافيلالت لينتقل بعد ذلك إلى كل من فاس ومكناس ومراكش وسلا، حاملا معه تراثا يختزل الثقافة المغربية بكل تفاصيلها، من عربي وأمازيغي وأفريقي وأندلسي.
التسمية
سمي الملحون في بدايته بأسماء عدة منها: القريض، اللغى، الكلام، النظم، الشعر، السجية، وعلم الموهوب، وكان اخر ما سمي به هو الملحون.
ويقول العلامة سيدي أحمد الفاسي بأن “كلمة ملحون مشتقة من كلمة لحن موسيقي، بمعنى أنه جاهز للحن وما على الشاعر إلا أن يكتب قصيدته على قياس من القياسات (المقام الموسيقي) ويغنيها المنشد (المغني) على هذه القياسات باعتبارها لحنا جاهزا”.
* القصائد
انتقل أداء القصيدة الملحونية من مجرد سرد في المساجد والزوايا إلى اعتماد اليد في ضبط الايقاع أو ما يسمى ب”التوساد”، وقد توسد الأداء في البداية بألة التعريجة أو “لكوال”، واتسع نطاق الالات فيه بما يقتضيه التنوع بين الأقسام وأجزائها.
أما من حيث الشكل فتشتمل قصيدة الملحون على كلام ينتظم، لكن في غير ضبط محكم لوحدة الوزن فيه والقافية، وتنقسم إلى خمسة أركان وهي المقدمة أو “السرابة” ثم “الدخول” وهو شطر الاستهلال، ثم “الحربة” وهي اللازمة، و”الأقسام” وهي الأبيات المغناة، ثم “الدريدكة” وتختتم القصيدة وتنشد على إيقاع سريع.
و تتميز قصيدة الملحون بتعدد أغراضها واختلافها، وتمسكها بجمالية النظم واختيار الكلمات الدالة على فحوى الموضوع، فكل عشاق هذا الفن الأصيل يشيدون بالكلمة الراقية والحكم التي تقدمها القصائد. لذلك نجد أنه من بين أغراض قصائد الملحون ما يسمى بالتوسل وهو الشعر الديني الذي يناجي فيه العبد خالقه جل جلاله، مثل قصيدة “التوبة التي نظمها سيدي عبدالقادر بوخريص.
وهناك قصائد يطلق عليها “المحمديات” وهي التي يكون غرضها مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وصالح أهل بيته وأشهرها قصيدة “الحرم يا رسول الله” للشاعر أحمد بن مسايب.
هذا بالإضافة إلى قصائد الغزل ك “ارفق يا مالكي”و “الغزال فاطمة”، و’ذهبيات’ وهي أشعار تخصص لوصف غروب الشمس، وال “ربيعيات” وتتخصص في وصف الربيع، بالإضافة إلى الفكاهيات والخمريات التي يطلق عليها أهل هذا الفن اسم “الدالية”.
ومن أشهر أعلام هذا الفن: الحاج الحسين التولالي/ الحاج محمد بوزوبع/ الشيخ بوستة المراكشي/ والشيخ بن عيسى الفاسي.
ومشاهير فن الملحون المعاصرين نذكر منهم: عبد العالي البريكي/ محمد الخياطي بوثابت/ماجدة اليحياوي/ و سعيد المفتاحي.
*طقوس السماع
يتمتع الملحون بأجواء وطقوس خاصة يخلص كل محبيه على الحفاظ عليها، إذ لا يكتمل الاستماع والاستمتاع بالملحون إلا بحضور كؤوس الشاي المغربي والحلويات، وبحضور الزي الأصيل من جلباب وطربوش ونعل تقليدي.
وقد كانت جلسات النزاهة_خروج الناس للاستمتاع بحدائق وبساتين مراكش وقضاء يوم كامل هناك_ بلا معنى بدون أغاني الملحون، وأيضا فإن جل جلسات الأنس والتسامر بالرياضات(المنازل المغربية العريقة)يكون فيها الملحون زاد هذه الجلسات.
فالملحون يعد فنا نخبويا لا يحتاج إلى الجمهور الكبير بقدر ما يبحث منشدوه عن المتذوق لهذا النوع من الفن.
الملحون لعب دورا في مقاومة الاستعمار
لعب فن الملحون دورا قويا في تشجيع حركة المقاومة المغربية ضد الاستعمار، إذ استطاع أن يغرو جل الطبقات المغربية التي كانت محبة للكلمة الراقية، وساهمت قصائد الملحون ذات السرد الغني في تربية أجيال عديدة على فن السماع.