
تونس ….منح الثقة للحكومة الجديد في ظل حرب تصريحات تخوين
في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الأربعاء، نجح البرلمان التونسي في منح الثقة لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي بأغلبية مريحة ليخلف المقال إلياس الفخفاخ الذي لم تسعفه أخطاءه في إنقاذ نفسه من مكيدة المتربصين به، بعد أن جعلته ملفات تضارب المصالح يخرج مهزوما بلا سند حتى ممن كونوا له حزام البرلمان.
التصويت على حكومة المشيشي الأخير لم يمر مرور الكرام، حيث خلف ويخلف جدلا كبيرا في الساحة السياسية التونسية. المداولات التي تمت البارحة تظهر غرائب وتناقضات مختلفة بين فرقاء السياسة. الذي رحب بتكليفه واعتبر فكرة الوزراء المستقلين حلا للخروج من الأزمة تراجع عن التصويت ومن لم يترك يوما إلا وهاجم الرئيس المكلف لحظة الحسم صوت لها وسط تبريرات غريبة وغير مفهومة وتبريرية.
لكن الملفت في التصويت لحكومة المشيشي هو خروج الخلاف بين حركة النهضة ولواحقها مع الرئيس قيس سعيّد إلى العلن. خلال يوم المداولات كان التونسيون ينتظرون حديثا عن البرنامج الاقتصادي للمرحلة المقبلة، فإذا بهم أمام محاكمة لـسعيّد بلغت في بعض الكلمات حد الهجومات المجانية بحجة أن الرئيس يتدخل في الوزراء وأن كل عملية التكليف كانت عن طريقه إلى غيرها من الجمل الشعبوية. تلك الاتهامات كان كلها من حركة النهضة الحزب الأغلبي في البرلمان ومن ائتلاف الكرامة الذي يعتبر مواليا لها، بالإضافة إلى حزب قلب تونس الذي تقارب في الأشهر الأخيرة من النهضة بشكل كبير طمعا في التوقع الجيد والمريح.
خلال كلمات نواب النهضة يوم الثلاثاء كانت السهام واضحة نحو رئيس الجمهورية، الغريب أنهم اتهموه بتشكيل حكومة صوتوا على تمريرها على عكس أحزاب يقولون أنها مقربة منه. مرة بأنه يتجاوز الدستور، مرة بأنه يعين وزراء تابعين له، مرة بأنه يمارس دكتاتورية سياسية، … إلى غير ذلك من الاتهامات والتي تظهر بشكل كبير أن حزب النهضة يتعامل مع كل مخالفيه بنفس المنطق، يعني أن أدخل معك في صراع التلميحات بداية ثم أنتقل معك نحو الهجوم المباشر الذي يتزامن مع الجيش الالكتروني أو ما يسميه التونسيون “الذباب الأزرق”، وهو خلية يقال إنها موجودة في مقر الحركة لها عشرات الصفحات الإلكترونية ومستعدة في كل لحظة للجهوم.
بعد ليلة من السجالات والمواقف المتناقضة، كان الموعد من القسم في قصر الرئاسة. هنا كان الرئيس التونسي قيس سعيّد مستعدا بشكل جيد، الرجل استمع لما لحق به من النهضة والكرامة وقلب تونس، وعلى ذلك استعد للرد. كثيرون يريدون وضعه في الزاوية بضرورة عدم السقوط في الرد، لكن الرجل في وضع يحتاج إيضاح الحقيقة للناس.
كان خطاب الأربعاء رسالة واضحة وكشوفة لحركة النهضة. الواقع أن قلب تونس أيضا كان مشمولا بالرسالة لكن كانت رسالة استهزاء أكثر منها ردا حيث قال في إشارة إلى حزب نبيل القروي أنه لو عاد إلى الصف الابتدائي الأول لطرد لفشله. لكن الكلمات الأكثر كانت موجهة إلى حركة النهضة التي يبدو أن المعركة معها بلغت حدا كبيرا من التوتر. ومن بين ما قال سعيد في خطاب القسم، “من يعتقد أنه فوق القانون فهو واهم ومن يعتقد أنه قادر على شراء الذمم فهو واهم”، مشددا على أنه لن يتسامح مع أي كان افترى وكذب وادعى وفتح دارا للفتوى ليفتي في الدستور ويتحدث عن تركيبة جديدة للحكومة“. مؤكدا أن التاريخ والأيام ستعرف الحقيقة كلها في مستوى لغة الكواليس.
سعيد واصل خطابه المتوتر قائلا إنه يعرف “الصفقات التي أبرمتموها (النهضة وقلب تونس) وسيأتي اليوم الذي أتحدث فيه عن كل ما حصل في الأشهر الماضية، سأتحدث بكل صراحة عن الخيانات والاندساسات وعن الغدر وعن الوعود الكاذبة وعن الارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار“. بل إنه تحدّث عن الافتراء والكذب وفتح دار للفتوى وهي إحدى الإشارات على أن الكلام لحركة النهضة.
ويعتبر خطاب سعيد الأول من نوعه في درجة غضبه، حيث لم يسبق أن تحدث بمثل هذه الحالة وكان يكتفي في الغالب بالحديث عن مسائل دستورية وقانونية، وهذا يدل أن مناخ الثقة غائب بينه وبين الحركة ورئيسها راشد الغنوشي الذي يكون دائما مهندس الصفقات السياسية حتى مع ألد خصومه وقد نجح في أغلبها لسببين أولها أن منافسيه السياسيين يبحثون على التموقع وهذا يفرض آليا وجود حركة النهضة وثانيا أن السنوات العشر الماضية أكسبت الغنوشي نوعا من الخبرة في مستوى المناورة السياسية التي تجعله قادرا على تهدئة الخصم.