
حفل “عقيقة” باذخ يجدد الجدل في المغرب حول “الميوعة الإعلامية”
وأقامت بطمة، المتزوجة بمدير أعمالها، السبت الماضي، حفل عقيقة “باذخ” لطفلتها الأولى، التي اختارت لها اسم “غزل”. وهو الحفل الذي عرف حضور عدد كبير من الفنانين والمشاهير المغاربة، سواء في عالم الفن والتمثيل أو الرياضة، بالإضافة إلى فئة عريضة من الصحفيين.
وامتد الحفل إلى ساعة مبكرة من اليوم التالي؛ إذ تناوب على منصة الحفل عدد لا بأس به من المغنين المغاربة المشهورين، والمعروفين بالأجور المرتفعة التي يتلقونها مقابل إحيائهم السهرات. كما تم تقديم أطباق فاخرة للضيوف.
– اهتمام وإهمال..
واكتسحت المواقع الإخبارية مقاطعُ عن الحفل؛ إذ تصدرتها عناوين من قبيل “دنيا بطمة تكشف ملامح ابنتها غزل لأول مرة بحفل عقيقة فخم”، “عقيقة أسطورية لبنت دنيا بطمة”، “شاهد الأطباق الفاخرة التي قدمتها دنيا بطمة في حفل عقيقة غزل”، “دنيا بطمة توشح ابنتها بالذهب والألماس”، “دنيا بطمة تتسلم هدايا باذخة في حفل عقيقة ابنتها غزل”. إلى جانب عناوين أخرى تتحدث عن تفاصيل صغيرة بالحفل.
وخصصت مجموعة من المواقع الإخبارية تغطيات خاصة للحفل؛ إذ بث بعضها مقاطع عند كل نصف ساعة، تتحدث فيها عما يجري بالحفل، في حين اختار آخرون نقله مباشرة من خلال خاصية البث المباشر بموقعي “إنستغرام”، و”فيسبوك”.
وبحسب صحفيين حضروا الحفل، فإن دنيا بطمة وزوجها كانا حريصَين على أن تنقل الصحافة تفاصيل الحفل، وأيضاً إعطاء تصريحات لمختلف المنابر الإعلامية الحاضرة.
بالمقابل، اختارت مؤسسات إعلامية أخرى عدم الاهتمام بالحدث، أو تخصيص موضوع صغير عنه، دون تكليف أحد الصحفيين الانتقال إلى المكان.
– استعراض للعضلات..
وعبَّر صحفيون عن انتقادهم الاهتمام الكبير الذي أوْلته مواقع إخبارية للموضوع، معتبرين أن الأصل في الحدث هو حفل شخصي ولا علاقة له لا بالمسار المهني، ولا بالأداء الفني لصاحبته، ما يجعله “غير ذي قيمة إخبارية”، بحسب قولهم.
وأوضحت سكينة خرباش، الصحفية بموقع “العمق” المغربي، أن “الحفل والطريقة التي أقيم بها، أرادت من خلالهما الظهور للعموم بمظهر الثرية، باستعراض الملابس الفخمة وإبراز قيمة الهدايا التي حصلت عليها، وهو تبذير للمال بطريقة أو بأخرى”.
وشددت خرباش في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، على أنه “كان من الممكن أن تتحفظ على نشر صور الهدايا؛ مراعاةً لشعور شريحة واسعة من المغاربة الفقراء واليتامى الذين لا يجدون من يسدُّ رمقهم من الجوع، خاصة أن المغرب يمر بظرفية صعبة”.
وقالت: “يجب أن يكون الفنان قدوة، والإعلامي أيضاً”؛ لأنه “في الوقت الذي يحتجُّ فيه الناس بمدن في المغرب طلباً للقْمة العيش، يجب على الأقل أن تتم مراعاة مشاعر البقية”. وتشير إلى أنه “كان من الممكن تغطية الحدث دون الدخول في تفاصيل لن تفيد في شيء”.
– تجاوز حدود المعقول
وشددت الصحفية ماجدة بوعزة، المتخصصة بالثقافة والفنون، على أن الأمر “تجاوز حدود المعقول، وبلغ درجة الميوعة الإعلامية”، مشيرة إلى أن “تهافت مجموعة من المواقع على هذا النوع من الأخبار، يعكس التحول الذي أتت به وسائل إعلام تبحث عن النقرات فقط، دون النظر إلى الجودة أو المحتوى”.
وتضيف لـ”الخليج أونلاين”: “هناك مواضيع فنية وثقافية أهم وأعمق من متابعة الحياة الشخصية لبعض المغنين وشجاراتهم”.
وقالت: “إن مجموعة من الفنانين الشباب اليوم، عوض التركيز على منح الفن وقته الكافي لإنتاج أعمال جيدة بكلمات وألحان لائقة، صاروا يلهثون وراء أي شيء يمكن أن يجعل منهم موضوع الساعة”، مضيفة: “للأسف، هؤلاء لا يعلمون أن الاهتمام بهم ينتهي بمجرد ظهور فقاعة إعلامية جديدة”.
وأوضحت أن “هناك فنانين لا نعرف عن حياتهم الشخصية إلا القليل النادر، لكن شعبيتهم أكبر بكثير ممن يشاركون أدق تفاصيل حياتهم”؛ ومن ثم “فالعبرة بالرصيد الفني، وليس الرصيد على مواقع التواصل الاجتماعي”.
– صميم العمل..
وفي الجهة المقابلة، يدافع صحفيون عن الطريقة التي تمت بها تغطية هذا الحدث، وأيضاً تتبُّع “تفاصيل” الحياة الشخصية للمشاهير، بدعوى أن ذلك من صميم العمل الصحفي.
وفي هذا الصدد، قال طارق بنهدا، الصحفي بموقع “هسبريس” المغربي: إن “هذا الأمر شيء عادي، ويدخل في الروتين اليومي للمتابعات المتخصصة في عالم الفن”.
وأوضح بنهدا في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن “هذا النمط من الإعلام له أسس في الإعلام الغربي؛ إذ تُخصص له آليات ووسائل وطاقم من الصحفيين والمصورين وشركات الإنتاج ومنصات إعلامية إلكترونية وتلفزية متقدمة ومحترفة”.
وعلل المتحدث وجهة نظره بالقول: إن “هذا الاهتمام الكبير بتفاصيل حياة المشاهير والفنانين، خلقه بالأساس التعطشُ الكبير إلى فئة من المواطنين، واهتمامهم بشكل متزايد بحياة المشاهير وشؤونهم الخاصة، سواء المعلنة أو الخفية”، مضيفاً: “ومن لا يتفق مع هذا الطرح، فلينظر إلى ملايين متتبّعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويحكم”.
وبدوره، دافع أحمد مدياني، سكرتير التحرير بموقع “Tel Quel عربي” المغربي، عن الصحفيين الذين غطوا هذا الحفل، معتبراً في منشور له بـ”فيسبوك” أن الأمر يدخل في إطار تخصصهم، وأنه “لا فرق بين عقيقة دنيا بطمة ومؤتمر لحزب أو ندوة لمؤسسة”.
– جدل دائم..
وليست هذه هي المرة الأولى التي يُثار فيها جدل بخصوص اهتمام الصحفيين بـ”تفاصيل” عيش المشاهير، أو الدخول في حياتهم الخاصة؛ إذ تكرر النقاش نفسه حينما اعتُقل المغني المغربي سعد لمجرد، في فرنسا بتهمة “الاغتصاب”، وأيضاً حينما شاع خبر اعتقال رجل وامرأة قياديَّين في حركة إسلامية مغربية، كانا على علاقة جنسية خارج إطار الزواج.
ومن بين الأحداث التي أثارت الجدل بين الصحفيين أيضاً، التغطية الإعلامية التي حظي بها زفاف العارضة المغربية إيمان باني بالممثل التركي مراد يلدريم، خصوصاً أن العروسين تعاقدا مع شركة مشهورة في المغرب، متخصصة بالتواصل والعلاقة مع الصحفيين؛ من أجل ضمان متابعة واسعة على وسائل الإعلام لهذا الزفاف، الذي أقيم بواحد من أكبر قصور المؤتمرات في المغرب.
وأوضح سعيد بلام، مدير مجموعة التميز للتواصل والإعلام، أن “تهافت” الصحفيين على تفاصيل الحياة الخاصة للمشاهير، سواء الفنانين أو السياسيين أو الرياضيين، “راجع بالأساس إلى ما تحققه مثل هذه المواضيع من نِسب زيارات مرتفعة بالمقارنة مع مواضيع أخرى”.
وقال لـ”الخليج أونلاين”: “ليس عيباً أن يتابع الصحفي حياة السياسي والفنان”، لكن “العيب هو أن يتجاوز ضوابط وأخلاقيات المهنية بالدخول في أمور خاصة جداً في حياة أي شخص كان”.
وشدد بلام على أن “حرية الصحفي، وحقه في الحصول على المعلومة، ينتهيان عند بداية الحرية الشخصية لهذا الشخص أياً كان مجال اشتغاله”؛ لأن “هذا الفنان أو السياسي له حياة شخصية، وأبناء، وأسرار، ومنزل يجب أن تُحترم خصوصياته وعوراته”.
وأشار بلام إلى أن “معظم الفنانين والسياسيين اليوم يعملون، عن قصد، على التعاقد مع مختصين في التواصل، بغرض تسريب تفاصيل من حياتهم الخاصة أو أنشطتهم البعيدة عن الفن، والهدف هو توسيع شهرتهم وشعبيتهم”.
ولفت المتحدث إلى أن هذا النوع من الجدل سيظل قائماً؛ لأنه ليس بجديد على الساحة الإعلامية، فقط “زادت حدته مع العدد الكبير للمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزية التي تحيط بنا”، يضيف بلام.