
عبدالصمد جابون مستشار في الطب البدني : جائحة كورونا مناسبة لإعادة الاعتبار للنظم الغذائية التقليدية
عن موقع بوابة افريقيا الاخبارية / حوار : علي الانصاري
2020 تصادف الذكرى العاشرة لإعلان منظمة اليونسكو نظام البحر المتوسط الغذائي تراثيا ثقافيا غير مادي، في هذا الاطار، أجرينا هذا الحوار الحصري مع الخبير المغربي عبدالصمد جابون ،مستشار في الطب البدني وكوتش الحياة الصحية.
والذي يدعو الى ضرورة حماية النظم الغذائية التقليدية وحمايتها لأهميتها وموقعها الذي تستحقه في أذهان الناس ، ويركز على الحاجة الملحة إلى تحويل منظومتنا الغدائية من هدف تناول الطعام للقضاء على الجوع إلى هدف أسمى يتجلى في استهلاك طعام مغذي وشامل للإحتياجات الأساسية من أجل صحة جيدة ومناعة قوية..
نص الحوار:
• أعادت جائحة كورونا الإهتمام الى المجال الصحي في العالم كله، خاصة ما يتعلق منه بالمناعة الذاتية، لماذا في نظركم؟
** في البداية، يجب علينا الاعتراف أن لجائحة كورونا “إيجابيات” كما لها حتما “سلبيات”، فكما جاء في الأثر: “لعل الخير يكمن في الشر”. هذه الجائحة، وكما لاحظنا، جعلت القاصي والداني، المتعلم والغير المتعلم، يعيد النظر في منظومة حياته جملة وتفصيلا وبالتالي التوجه إلى تبني عادات سليمة قدر المستطاع من أجل تجنب ما أمكن خطر الإصابة. ومن بين هذه العادات الصحية، نجد الإهتمام المتزايد بالمناعة الذاتية وتقويتها بكافة السبل المتاحة باعتبارها آلية دفاعية أساسية تندرج ضمن سلسلة التدابير الإحترازية الذاتية للوقاية من خطر العدوى. كيف لا وجائحة كورونا أجبرتنا، جميعا وبدون استثناء، على تحمل مسؤولية سلامتنا الصحية في غياب تطعيم ضد هذا الوباء. وبالتالي، يبقى تقوية جهازنا المناعاتي وتدعيمه هو الخيار الوحيد المتوفر حاليا للنجاة أو على الأقل للمقاومة في أفق التوصل إلى لقاح في الأمد القريب. من هنا يتبين أن ارتفاع منسوب الوعي بأهمية المناعة الذاتية لدى أفراد المجتمع ضروري لضمان الأمن الصحي…
*تربط الكثير من الدراسات العلمية بين المناعة والغذاء الصحي، كيف نفسر ذلك؟
** العلاقة الوطيدة بين التغدية الصحية والمناعة على ضوء التوجيهات التي جاءت بها الإستراتيجية الوطنية للتغدية التي أعدتها مديرية السكان التابعة لوزارة الصحة المغربية.
فالغداء الصحي هو غداء متوازن يحتوي عمليا على جميع العناصر الغذائية الضرورية من ڤيتامينات وأملاح معدنية وبكميات مناسبة للحاجيات اليومية، لسلامة النمو وإمداد الجسم بالطاقة والمناعة لمقاومة الأمراض. وعليه، فإن حصول أي خلل على مستوى التغذية، سواء بالإفراط أو النقص، يؤدي إلى حدوث اضطرابات غذائية تؤثر سلبا وبشكل كارثي على الجهاز المناعاتي الذي يصبح هشا وغير قادرا على التصدي، وهذا ما يرفع من فرص الإصابة بالأمراض ولاسيما في ظل الجائحة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، وجب اعتماد تغدية صحية (سليمة ومتوازنة) خلال جميع المراحل العمرية بدون استثناء قصد تأمين مناعة قوية ومتينة قادرة على مواجهة التحديات، والإبتعاد تماما عن “الإهتمام المناسباتي والظرفي” بجودة غداءنا لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
• أثرت العادات الغذائية الجديدة على صحة الإنسان بشكل عام، ما هي العلاقة بين تلك العادات وتفشي الأمراض المزمنة؟
** في سياق التحولات العميقة التي شهدتها المجتمعات وخاصة في ما يتعلق بنمط الحياة المتميز بالسرعة، أصبحنا نلاحظ تراجعا كبيرا في ما يخص استهلاك الأغدية الصحية الطبيعية (الفواكه + الخضروات + منتجات الألبان + اللحوم الطازجة) الغنية بالعناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم من جهة، ومن جهة أخرى ظهور بعض العادات الغذائية “السلبية” المتسمة بارتفاع الإقبال على استهلاك الوجبات السريعة الفقيرة من حيث قيمتها الغذائية، وكذا الأغدية المصنعة المتضمنة لمكونات جديدة معقدة من حيث تركيبتها الكيميائية والمتفاوتة من حيث خطورتها. كل هذا وذاك، ساهم وبشكل مباشر في إلحاق الضرر بجهازنا المناعاتي وحدوث مجموعة من الإختلالات في التفاعلات الفيزيولوجية للجسم، وبالتالي التأثير سلبا على وظائف بعض الأعضاء مما أدى بالنتيجة إلى ارتفاع في أعداد المرضى وتفشي مجموعة من الأمراض المزمنة بشكل مهول.
كل هذه المعطيات جعلت العديد من الهيئات والمنظمات تدق ناقوس الخطر ولاسيما أن صحة جيل بأكمله أصبحت مهددة، خاصة في ظل حملة إعلامية منظمة تشنها كبريات الشركات لترسيخ الثقافة الإستهلاكية (النظام الغذائي الحديث والعصري) لدى الأطفال والشباب وإخفاء حقيقة الأخطار المترتبة عنها. حيث أصبحنا نلاحظ وبشكل مخيف تنامي الإصابة المبكرة لفئات عمرية بأمراض السكري – فقر الدم – السرطانات – السمنة وكذا أمراض الأمعاء الإلتهابية (داء كرون والتهاب القولون التقرحي).
• تفشي عدد من الأمراض القاتلة والمستعصية العلاج ، جعل الكثير من خبراء ينصحون بالعودة الى حياة الأباء والاجداد، غذاءا وسلوك، لماذا؟
** صحيح، لأنه ببساطة: تشكل طوق النجاة الأوحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا فإن الإنسانية ستنجر إلى نفق مظلم غير واضح المعالم. الجميع يدعو الآن إلى توحيد الجهود من أجل ضمان استعادة النظم الغذائية التقليدية وحمايتها لأهميتها وموقعها الذي تستحقه في أذهان الناس، وحث الجيل الشاب بالمقابل، بشكل خاص، على إعادة اكتشاف تجربة طهي وجبات صحية في المنزل والتمتع بذلك بدلا من اختيار وجبات سريعة فقيرة من حيث المضمون. لا ننسى أن قديما كان هناك اختلاف في العادات ونوعية الغذاء، فقد كان الأكل جيدا من حيث الغنى بالمواد الغذائية وتكامله من حيث العناصر.
تجدر الإشارة إلى أن الوجبات الغذائية التقليدية والأصلية تلعب دورا هاما في القضاء على سوء التغذية الناتج عن الإنسياق وراء الأنماط الغذائية الحديثة، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تحويل منظومتنا الغذائية من هدف تناول الطعام للقضاء على الجوع إلى هدف أسمى يتجلى في استهلاك طعام مغذي وشامل للإحتياجات الأساسية من أجل صحة جيدة ومناعة قوية..
• الانسان ابن بيئته ،هل هناك رابط فعلي بين صحة الإنسان واستهلاكه لما هو منتج محليا من خضر وفواكه وغيرها؟.
** أكيد، هناك رابط … بصفة عامة، خلق الله الإنسان وسخر له كل شيء وأنبت من الأرض منتجات متنوعة من خضر وفواكه تتوافق مع البيئة التي يعيش فيها. وبالتالي، استهلاكه للمنتجات المحلية هو صمام الأمان لضمان عيش سليم.
• ما هي المقومات الصحية لمنظومة غذاء بلدان جنوب المتوسط؟
** يتضمن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط بصفة عامة وجنوب المتوسط بصفة خاصة كميات وافرة ومتنوعة من الأطعمة ذات المصدر النباتي كالخضروات – الفواكه – البقوليات – التوابل – الأعشاب – الحبوب – المكسرات والزيوت وخاصة زيت الزيتون الذي يعتبر المصدر الدهني الرئيسي. جميع هذه النظم الغذائية يمكن أن تضيف العديد من الفوائد، على سبيل المثال لا الحصر، تقليل مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة LDL (الضار)، الوقاية من أمراض القلب والسكري، تحسن في حالات آلام المفاصل الروماتويدية، تقليل مخاطر الإنسداد الرئوي وكذا تقليل خطر عودة سرطان القولون. من هنا يتبين أن المنظومة الغدائية لبلدان جنوب المتوسط صحية ومفيدة للإنسان مما يجعل شعوب المنطقة متميزين بانخفاض معدل الأمراض المزمنة بينهم وطول أعمارهم.
حري بالذكر، أن سنة 2020 تصادف الذكرى العاشرة لإعلان اليونسكو نظام البحر المتوسط الغذائي باعتباره تراثيا ثقافيا غير مادي.