كاتبات مغربيات: لهذا يتم تغييب الثقافي والمثقف من برامج الأحزاب السياسية

   المغرب :علي الانصاري
تستعد الطبقة السياسية في المغرب، للاستحقاقات التشريعية والجماعية والمهنية  في شهر سبتمبر المقبل،  وتنافس فيما بينها، بإطلاق وعود انتخابية، ترتبط اساسا بعدد من القضايا ” يعتبرونها” الأكثر الحاحا، وطلبا بدأ الناخب المستهدف بحملات الدعاية الانتخابية.
تحضر بالأساس قضايا البطالة والعمل والتعليم والبنية التحتية والفلاح والعالم القروي، ويغيب الفعل الثقافي او لربما يأتي في ذيل القائمة،  كما في غالب دول العالم  العربي.
في هذا الاطار، وضمن مواكبة الحدث السياسي  العام،  والذي تفصلنا عنه اشهر، استطاعت بوابة افريقيا الاخبارية، رأي عدد من الأسماء الأدبية النسائية في المغرب، حول حضور الجانب الثقافي في برامج الأحزاب الانتخابية.
 وتتزامن الاستحقاقات الانتخابية، مع ازمة ” خلافات” وصراعات مصلحية، حالت دون الاتحاد الذي يجمع مفكري وكتاب المغرب من القيام بدوره المنوط به.

* افتقاد الرؤية
بالنسبة لشاعرة إيمان الونطدي ،عضو رابطة كاتبات المغرب، فإن:
الأحزاب المغربية تفتقد لرؤية بنيوية للفعل الثقافي المتعدد الروافد، بحيث لا نجد في برامجها استراتيجيات و أهداف عملية تكون مدخلا لنهضة ثقافية و فكرية؛ خصوصا إذا علمنا ان كل الدول الصاعدة في مدارج الحضارة اتخذت من الوعي الثقافي منصة للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وتضيف أن  إشارات الاحزاب للفعل الثقافي في برامجها ، تكون عامة تفتقد لأي تخطيط منهجي أو انخراط فعلي في تحريك الفعل الثقافي سواء على بنيتها الداخلية أو على مشاركتها في كل ما يتعلق بهذا المجال .
بينما ، ترى  الدكتورة إيمان غانمي، أن الحديث عن الشأن الثقافي والأدوار المفترضة للأحزاب السياسية، المناط بها دستوريا تأطير وتمثيل المواطنين، والسعي إلى استثمار المناخ الاجتماعي والسياسي العام لانجاز النقلة الديمقراطية المنشودة منذ عقود، يحيل بالضرورة إلى مساءلة نخبتنا السياسية المشتغلة في المجال العام، بل النخب المغربية بمختلف مكوناتها الاقتصادية، السياسية ، الجمعوية والعلمية، باعتبارها الفئة المؤثرة في المجتمع عبر آليات عديدة (اتخاذ القرارات، سن القوانين، تمثيل المواطنين، وضع السياسات العمومية، تلبية الحاجيات الثقافية والفنية والترفيهية، إبداع  القيم المشتركة واقتراح الأفكار…
وبناء عليه ، تؤكد الدكتورة ايمان، فان مقاربة أسئلة التنمية المجتمعية والقضايا المتصلة بالنهضة الثقافية والعلمية للبلد، لابد لها من توفر ثلاثة مداخل منهجية، تتمثل أولا في وجود إرادة سياسية للدولة والفاعلين السياسيين تروم إحداث التغيير في البنى والتفكير ورسم السياسات العمومية في القطاع الثقافي، وثانيا، وجود شركاء ذاتيين ومؤسساتيين قادرين على بلورة مشروع ثقافي وعلمي للنهضة والتنمية المجتمعية، وثالثا، رصد الموارد والإمكانيات المادية والانشاءات والبنيات الضرورية للتنشئة والتربية والتثقيف والتعليم والتداول العمومي حول القضايا والإشكاليات الحقيقية للتنمية الثقافية وبناء الإنسان، ذاك الكائن المواطن المبدع المتلقي للمعارف والمنتج للقيم، التفاعل بفكره ومهاراته، الواعي بذاته وسياقه السوسيو ثقافي ومع الأخر المختلف.
وبالنسبة لبلدنا اليوم، فإن شروط النهضة والإقلاع الثقافي والعلمي قائمة على هذه المستويات الثلاث، ولو بدرجات متفاوتة.
الكاتبة والفاعلة الجمعوية والسياسية زلفى أشهبون ، تعتبر أنه من الصعب جدا الإلمام ببرامج الاحزاب الانتخابية، خاصة واننا على ابواب استحقاقات 2021، التي ستشكل دون شك مرحلة مهمة جدا في تاريخ الانتخابات بالمغرب، أمام الوعي السياسي الذي يتسم به الشعب المغربي وأمام ظهور جمعيات وهيئات مدنية تهتم بالشأن الثقافي المغربي المتنوع.
وانطلاقا من انتمائها  السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يعتبر من الأحزاب الكبرى في المغرب،  تجد  ان ماهو ثقافي في المغرب ،  يشكل  موضوع اهتمام فعلي للحزب د ولا أدل على ذلك ، بحسب  الكاتبة اشهبون  ، من  التحاق كبار الفنانين المغاربة بالحزب وتشكيل هيئة الفنانين التجمعيين، وتشير الى  أن الحزب يضم على مستوى المملكة كفاءات ومثقفين وكتاب وباحثين في مجالات مختلفة منها الفنية والأدبية أيضا.
وتابعت  “كما لا ننسى ان قادة حزب التجمع الوطني للأحرار على المستوى الوطني، يهتمون بصفة شخصية بتأطير وتكوين المنخرطين الشباب من خلال لقاءات مستمرة، أذكر منها الجامعة الصيفية التي تنظم سنويا ويستفيد منها الآلاف من الشباب والشابات على مستوى المملكة، بالاضافة إلى أكاديمية RNI التي أشرف فيها دكاترة جامعيين وباحثين على تأطير شباب الحزب.. ومن مميزات الحزب أيضا أنه يفتح أبواب مقراته لعموم المواطنين ممن أراد الاستفادة من الدورات التكوينية واللقاءات التأطيرية”.

* اهتمام الأحزاب بالفعل الثقافي
وفي ما يخص  الإجابة على سؤال لماذا يأتي الثقافي في آخر اهتمام الأحزاب؟  تؤكد  الكاتبة زلفي  اشهبون ، أن الاحزاب السياسية ملتزمة بالتواصل مع مختلف شرائح المجتمع من خلال آليات تواصل دائم ومستمر، وأنها تحاول قدر الامكان استنباط هموم ومشاكل المواطن، وكمشرفة على التواصل مع مجموعة من المواطنين في مناسبات مختلفة، منها قافلة 100 يوم 100 مدينة، التي نظمها حزبها التجمع الوطني للاحرار، كان تركيز المواطنين على موضوع الصحة والتعليم والتشغيل من الدرجة الأولى باعتبارها من اساسيات الحياة، وانطلاقا من هذه المحطات التواصلية ، وبناء على هذه الحملة ، تمكن الحزب من رسم خارطة طريق واضحه المعالم لبرنامجنا الانتخابي، ومن هنا كانت الأولوية والأهمية للشأن الاقتصادي والاجتماعي..  – تقول اشهبون – مستدركة ، أن هذا لا يعني تغييب الشق الثقافي أبدا بل هو حاضر في مشاريع وأوراش مهمة سيتم الإعلان عنها في وقتها.
* البطن قبل الفكر
اما الشاعرة إيمان الونطدي ، فتنفي وجود خط فكري وإيديولوجي يؤطر مرجعية الأحزاب ، وتلاحظ  أن الاحزاب :” اصبحت تعمل بتاكتيكات مرحلية متغيرة نفعية بدل الاشتغال على تغيير الوعي المجتمعي في أفق نشدان مجتمع يساوق و إديولوجياتها. بالإضافة إلى طبيعة المجتمع الذي يجعل من الاقتصاد أولوية يتغيّا تحقيق المعيش اليومي و تغذية البطن قبل الفكر”.

*منطق الاطفائي
الدكتورة ايمان غانمي، ترجع سبب تغيب الثقافي في اهتمام الأحزاب الى النخبة السياسية ذاتها،  اذ  لا يختلف اثنان  :”حول كون أغلب النخبة السياسية المتحكمة اليوم ومنذ عقد من الزمن فوق ركح المسرح العام، تنتمي إلى الرؤية الكلاسيكية في إدارة الصراع الاجتماعي وتدبير الزمن السياسي المتسارع، بالاستكانة إلى منطق ألإطفائي، عبر أساليب التهدئة والتريث والتدرج وغيرها من المقاربات التي تعاكس في كنهها منطق التحول والتغيير الديمقراطيين. بمعنى آخر فهي  ما زالت تعيش على إيقاع مختل السرعات بين ما كان بالإمكان وما هو قيد الممكن والإمكان”.
وتخلص الى القول بأن هذه النخبة:  ”  عاجزة عن تفعيل مضامين دستور 2011، بما هي خلاصات مسار تحديثي للبنيات والذهنيات، واستشرافات دالة ومحملة بقيم العدالة الاجتماعية والمجالية وتحرير الطاقات والمؤهلات الثقافية والعلمية وتثمين المعارف والمهارات كجزء من التراث الحضاري للمغرب، تلكم المقتضيات الدستورية التي تكرس وترعى وتؤكد على أن “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة.” وأن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل إشكالها بموجب أسمى قوانين البلاد .”
*الوعي بالثقافي
وعن سؤال عن مدى الادراك والوعي بدور الثقافة في تغيير السلوكيات المجتمعية؟ توضح الشاعرة  إيمان الونطدي ، ” أن هناك إدراك بالدور الهام الذي تلعبه الثقافة في تأطير مكونات المجتمع قِيميا وسلوكيا وجماليا.
ففي الماضي القريب  نجد – بحسب الونطدي – :”أن الأحزاب اشتغلت على هذا الشق من خلال المنظمات الموازية التي كانت المنصة التي تعتليها للتغلغل في القواعد الشعبية عبر أنشطة مكثفة تعمل على تنزيلها؛ الأمر الذي لم يعد الآن في صلب اهتماماتها إذ تخلت عن دورها التأطيري و اهتمت بالمحطات الانتخابية والأنشطة السياسية الضيقة”.
بينما ترى  الكاتبة زلفي اشهبون بأن الوعي بدور الثقافة في تغيير السلوكيات المجتمعية، مرتبط اساسا بنوعية : “المواطن والظروف المحيطة به، إذ أن المواطن المتوسط والميسور والغني يدرك جيدا أهمية الثقافة لبناء الدولة والمجتمع الواعي، والاحتفاظ وتسويق الهوية الثقافية والحضارية المغربية، ولعل خير دليل على ذلك هو الاجماع الذي حظي به النموذج التنموي الجديد الذي أرسى الملك محمد السادس ،والذي جعل الثقافة إحدى ركائزه لبناء مغرب الغد، هذا النموذج الذي يراهن على تغيير السلوكيات المجتمعية من أجل مجتمع متماسك ومتضامن وفاعل ومواطن، وهذا لن يتحقق الا بوجود مواطن مثقف وواعد”.
بينما تعتبر في ذات الصدد :”أن المواطن المعوز قد لا يختلف على اهمية الثقافة لكن ضغوطات الحياة لا تسمح له في حالات قاهرة بالتفكير إلا في تحسين ظروف العيش، خاصة مع وجود إكراهات مجالية في قطاعات الصحة و التعليم و التشغيل و السكن …إلخ
وطبعا يبقى للاستثناء حيز مهم “.
*تجاوز الترقيع والريع
وتعود الدكتور إيمان غانمي ،لاستحضار المقتضيات الدستورية ، لتؤكد :” أن المرتكزات المرجعية للدستور تنص على أن “المملكة المغربية دولة ذات سيادة كاملة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ المقومات الثقافية والروحية العريقة والمشتركة بين مختلف مكونات الأمة، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.
وتأسيسا على  هذه الديباجة الدستورية ، ترى غانمي  انه:”  بات من الضروري العمل على تغيير النظرة والمقاربات الشكلانية للمسألة الثقافية وللهوية الدامجة لمختلف مكونات الأمة بتعبيراتها المتنوعة، في إطار مشروع خطة وطنية تتجاوز تلك المقاربات الترقيعية والريعية المتجاوزة، ضمن محاور البرنامج الحكومي  لهذا الحزب أو ذاك”.
وتضيف :” أن تنمية الوعي بالدور المحوري للشأن الثقافي يتطلب بالضرورة الاستثمار في الرأسمال اللامادي بكل تجلياته المادية والفكرية والمعرفية والعلمية والتراثية كمدخل أساس لإرساء قواعد الاقتصاد الجديد للمملكة؛ أي بتعبير آخر: الاندراج في أفق اقتصاد المعرفة”.
وتخلص الى  أنه :” ينبغي الخروج من منطق التفسير السطحي للمقتضيات الدستورية المتصلة بالشؤون الثقافية والعلمية والفنية وحرية الإبداع والتعبير والتفكير، والنهوض بالثقافة والإعلام الوطنيين وتقوية انخراطهما في جهود التنمية والتحديث”.
*اهتراء النخب
وفيما يخص مسؤولية  غياب أو تغييب المثقفون عن المؤسسات التمثيلية، تعدد الدكتورة ايمان غانمي  عوامل أساسية ادت لذلك  وهي:
* “اهتراء وترهل أغلب النخبة السياسية الراهنة وشيخوختها البيولوجية وعقمها الفكري والإبداعي،
*غياب الشروط الموضوعية والمادية لضمان تجديد الحياة السياسية ودوران النخب  داخل الهيئات السياسية المختلفة،
*غياب ثقافة المحاسبة والمساءلة، وضمور آليات الحكامة والشفافية والديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب وسيادة منطق الولاءات والشخصنة عوض مبدأ الكفاءة والاستحقاق”
بينما تعتقد الشاعرة ايمان الونطدي،  انها  مسؤولية  مشتركة بين النخبة السياسية والاكاديمية: “فالنخبة الأكاديمية اصبح لها عزوف في المساهمة و الانخراط الحزبي السياسي، و أحيانا يتم إقصاؤها بشكل متعمد خوفا من بروزها كبدائل قيادية مستقلة الفكر و الفعل .
*خطر المثقف على السياسي
وفي ذات الصدد، تفسر  الكاتبة زلفى اشهبون ،  الأمر بغياب وتغيب في الآن نفسه، مما يعني أن المسؤولية مشتركة، فالمثقف  بالنسبة :”لها كثيرا ما ينأى بنفسه عن ممارسة السياسة ويفضل البقاء في برجه العاجي يناقش الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية من خلال إبداعه، دون الإنخراط في الفعل سعيا منه نحو التغيير المرجو. فتجده إما منتقدا أو منظرا، ربما لانه يرى بأن الثقافة رغم عدم تعارضها مع الممارسة السياسية إلا انه يصعب الجمع بينهما، أو لأنه يعتقد ان القلم والورق كفيل بتشريح الاوضاع وعلاجها بعيدا عن حمل مسؤولية الترافع والدفاع وتحقيق المكتسبات الضرورية والتكميلية، هذا من جهة”.
وفي الجهة المقابلة ،تقر الأستاذة اشهبون :” بوجود تغييب المثقف في بعض الاحزاب السياسية التي تخلت عن دور الثقافة والمثقف في تحقيق التنمية في المجالات الحياتية، ربما لأنها وقفت في محطات قديمة عند الخطر الذي تشكله هذه الفئة (المثقفة) أمام المصالح الضيقة التي يسعى إليها البعض”.
وفيما يشبة دعوة للمثقفين بالانخراط ، تكون اشهبون ” أن من يريد يستطيع، ومن يؤمن بقدرته يحقق أهدافه، وكذلك المثقف الذي يؤمن بأهمية انخراطه في الأوراش الاصلاحية التي يشرف على اطلاقها وتنزيلها الملك محمد السادس ،فالأكيد أن الأبواب ستفتح في وجهه وسيلقى الترحيب الذي يليق بقيمته وبالأفكار التي يحملها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى