
لحسن زروال: معاناة سكان الجبال المغربية تتضاعف سلبا على مستوى المعيشي
بوابة افريقيا الاخبارية حوار : علي الانصاري
عكس نداء استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي، من طفل مغربي ، من سكان قرية “آيت عباس” في جبال الأطلس يطلب فيه تقديم المساعدة له وسكان المنطقة التي حاصرتها الثلوج، معاناة سكان الجبال من مداشر وقرى يعانون الأمرين بسبب غياب التنمية وفي ظل قسوة الطقس البارد جدا وقلة الإمكانيات وعزلتهم عن باقي المناطق، وعدم تمكنهم من التنقل لجلب كل احتياجاتهم والأغراض الضرورية لمعيشتهم اليومية، بل وحتى التطبيب والتعليم.
فيديو الطفل “عبد السلام، على موقع “فيسبوك”، لقي تفاعلا كبيرا من الجمعيات والجهات التي ترغب في المساعدة، وأعيد نشره على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يطالب فيه بتوفير الملابس الثقيلة والأحذية، حتى يتمكن السكان من مواجهة قساوة البرد والثلوج .
كانت الاستجابة سريعة من قبل المجتمع المدني المغربي ، حيث تم ارسال شاحنات محملة بالعشرات من الأطنان من المواد الغذائية والملابس والأحذية للمتضررين الى القرى المتضررة، كما قامت السلطات بتسيير فرق إغاثة لتقديم العون ، وفتح المسالك الطرقية نقل المرضى.
لكن رغم كل تلك الجهود ،الا ان جهات مدنية وفاعلين رفضوا التعامل الإحساني والظرفي الذي تنهجه الدولة المغربية في معالجة أوضاع ساكنة هذه المناطق.
وفي هذا الاطار، نبه ائتلاف مدني ، الى الوضع المأساوي الذي تعانيه ساكنة المناطق الجبلية، مطالبا باعتماد سياسة عمومية منصفة وعادلة، تراعي الخصوصيات المجالية والترابية لهاته المناطق وفقا لمقاربة شاملة للتنمية.
كما اشار الائتلاف الى أن انقطاع الطرقات والمسالك، وانخفاض درجة الحرارة الى مستوياتها الدنيا في ظل ضعف البنيات التحتية، فاقم من حجم معاناة سكان المناطق الجبلية، وذلك نظرا لغياب الخدمات الأساسية الضامنة لأبسط شروط العيش الكريم للساكنة.
ومن جهة اخرى ،يرى فاعلين محليين ،ان الحملات الإحسانية والخيرية “مبادرات تضامنية جيدة” بالنسبة لساكنة الجبل، وخاصة للقرى الهشة، لكن شريطة أن تحترم أخلاقيات العمل الجمعوي التي تضمن كرامة المواطن، وتنبذ تحسيس الآخر بالدونية مهما كان وضعه الاجتماعي، وعدم استغلالها لأغراض انتخابية، كما انها لن تغني عن التنمية المنتظر من اجل تحقيق عدالة مجالية منصفة لجزء مهم من سكان الوطن.
في الحوار التالي ، مع الاستاذ لحسن زروال، احد الفعاليات المعروفة بنضالها من اجل تنمية الجبال المغربية وتوفير ظروف عيش كريمة لأهلها والحفاظ على ثرواتها الطبيعية استغلالها بشكل افضل، نلقي نظرة على الوضعية والأسباب والبدائل.
نص الحوار:
• في كل سنة وفي مثل هذه الايام الباردة، تعود مأساة سكان جبال المغرب للواجهة بسبب افتقادها لأبسط متطلبات العيش الكريم، لكن ما نلبث ان ننسى، هل للأمر علاقة بسياسة تهميش مقصودة من قبل جهة ما، ولماذا؟
• ** صحيح أن سكان الجبال المغربية يعيشون معاناة سيزيفية؛ وهذه المعاناة في نظري وعكس ما يروج له غير مرتبطة بفصل الشتاء فقط بل معاناة على امتداد السنة؛ كل ما هناك أن حدة وشدة ووطأة هذه الظروف الصعبة تلامس بشكل أوضح ووتجلى بشكل أنصع خلال الفترة الباردة من السنة؛ حيث تعزل هذه المناطق بشكل كلي عن محيطها مما يحول دون استفادة سكانها من أبسط الخدمات.
وحول ما إذا كان ذلك نتيجة سياسة تهميش مقصودة من قبل جهة ما أقول نعم فالجبل المغربي تاريخية كان يرمز إلى اللادولة؛ لكن بعد الاستقلال أصبحت الدولة هي المسؤول الرئيس عن الإقلاع التنموي داخل نفوذها بغض النظر عن الاختلافات المجالية؛ اكثر من ذلك من صالح الدولة قبل السكان الجبليين توجيه سياستها التنموية والاستثمارية نحو الجبال لاتقاء وتفادي العديد من المشاكل التي تستنزف إمكانياتها المالية بشكل مضاعف لان ما يكلفها نزوح الجبليين من تداعيات اقل كلفة من تنمية مناطقهم (مدن الصفيح؛ اكتضاض المدن؛ الجريمة؛ توسع القطاع غير المهيكل؛ ترييف المدن…).
• كيف تصف حال سكان الجبال في المغرب؟
• ** يمكن وصف حال ومستوى عيش ساكنة الجبال بالصعب والمنذر بالكارثة نظرا لعدم تأهيل المجال الجبلي بما يلزم ليضمن كرامة أبنائه واستقرار سكانه.؛ وهذا راجع إلى الارتجال الذي يغلب على السياسة التنموية وعدم ووضوحها؛ فمنظروا هذه السياسة ينظرون إلى الجبال نظرة شزراء تستحضر بشكل غير واعي ثنائية المغرب النافع والمغرب غير النافع التي دشنها الاستعمار؛ إذ يمكن اختزال الإنجازات التنموية التي قامت بها الدولة في ضبط الساكنة وضمان ولائها وخضوعها؛ وتسهيل عملية استغلال مواردها الاقتصادية؛ ويمكن الذهاب ابعد من هذا مثلا بالقول بأن الموارد الغابوية للأطلس مثلا كانت تستغل بعقلانية خلال الحماية الفرنسية في حين تضاعف استغلالها بعد الاستقلال إلى حد الاستنزاف.
• بالنسبة لكم هل يعني ذلك ترسيخ فعلي لمقولة “المغرب النافع والغير النافع”،لكن قد تبدو تلك المقولة التي تعكسها سياسات التهميش المتعاقبة غير صائبة ، فالقرى والجبال تكتنز ثروات هائلة لم يتم استغلالها، كما انها ثراء ثقافي وإنساني وبيئي وسياحي، كيف ترى ذلك؟
• ** لا يختلف إثنان على كون الجبل من الناحية العلمية التاريخية والجغرافية والأنترويولوجية والاجتماعية – في جميع البلدان- ذلك الخزان الذي لا ينضب ولا يجف للعديد من النفائس والمعلومات ففي التاريخ المعاصر مثلا يكفي ان نعرف ان أغلب الملاحم والمعارك البطولية التي قام بها المغاربة ضد الاحتلال الفرنسي كانت في الجبال أنوال؛ لهري؛ بادو تازيزاوت بوكافر… ؛ويكفي كذلك ان الجبال هي التجلي الحقيقي الناصع للهوية المغربية على المستوى الأدبي الفني المعماري الاجتماعي الديني…… ولا يخفى على أحد ما تختزنه الجبال المغربية من الامكانيات السياحية التي للأسف غابت عن اهتمام مسؤولي القطاع إلا بشكل محتشم جدا.
• ماذا تفتقد قرى وجبال المغرب لتصبح جاذبة للعيش فيها؟
• ** وعن ما ينقص الجبال لتؤدي دوره التنموي الطبيعي يمكن الحديث أولا عن البنية التحتية خصوصا الحاجة إلى شبكة طرق حقيقية تفك العزلة عن المداشر والقرى الجبلية.؛ كما تحتاج إلى مستشفيات تتوفر على أطقم طبية والتجهيزات اللازمة؛ إضافة إلى ذلك لا بد من تبسط المساطر الإدارية وتقريب الإدارات الحيوية منهم المدارس؛ الجامعات الداخليات…. ولابد كذلك من دعم الفلاحين ومربي الماشية وتمكينهم من تسويق منتجاتهم المجالية وتأهيلهم لخلق تعاونيات. ولابد من تحفيزهم على استعمال وسائل تدفئة بديلة عن الخشب حفاظا على الموارد الغابوية عبر تخفيض ثمن الكهرباء مثلا.
• غياب العدالة المجالية قد يؤدي لافراغ بعض جهات المغرب من ساكنتها ما هي البدائل المطروحة لوقف هجرة البوادي الى هوامش المدن الكبرى؟
** في غياب هذا المنظور التنموي الجديد الذي عليه أن يتجاوز العدالة المجالية إلى التمييز المجالي الإيجابي بإعطاء المناطق الجبلية فرصا أكثر في التنمية لتدارك نصف قرن تقريبا من التهميش والإقصاء. بعيدا عن هذه الرؤية أعتقد أن نزيف النزوح نحو المدن سيستمر وان معاناة سكان الجبال ستتضاعف وهذا ما سينعكس سلبا أيضا على مستوى العيش في السهول والمدن.