
وفاة محمد بوستة ومراسيم الدفن بالمغرب
بقلم: احمد الدغرني
ليس من المهم أن نكتب على الأشخاص السياسيين الذين لم يكتبوا شيئا عن حياتهم، ولكن المهم بالنسبة لهذا المقال هو الموت في حد ذاته وأثره على السياسة المغربية، وأيضا الجيل الذي ينتمي اليه كل واحد ممن يراد له أن يكون شخصية يذكرها التاريخ، وعلينا أن لانترك أحدا يركب على التاريخ الجميل، وأن نجعل الركوب على التاريخ القبيح ممكنا ليعرف شباب اليوم هذين النوعين من التاريخ،الجميل والقبيح.
محمد بوستة من جيل من المغاربةالذين ولدوا في ظل الحماية أوالاستعمار الفرنسي سنة1925بمدينة مراكش من عائلة فاسية، يقال بأنها سكنت مدينة مراكش.
وفي احدى لقاءاتي الشخصية معه بمقهى بحي أكدال بالرباط ،وكنت قبل اللقاء اعتقد أنه مراكشي فقلت له “انك مراكشي”فأجابني بتأكيد”لا أنا فاسي درست تعليمي الثانوي بثانوية مولاي ادريس بفاس ووالدي كان يشتغل في وظيفة العدل بمراكش”،وتقول رواية شفوية أن أصوله من فرق لوداية، ولم ينشر المقربون منه شيئا عن جذوره العائلية من أم وأب حسب علمي….
وكنت أعتقد أن تولي محمد بوستة لرآسة حزب الاستقلال بعد علال الفاسي(1974) هو تحول تاريخي من قيادة الفاسيين للحزب الى المراكشيين وخاصة بعد برروزمحمد الوفا، ومحمد الخليفة،ومليكة العاصمي وآخرين في القيادة الحزبية مع محمد بوستة، وهم من مراكش ونواحيها.
ولم يحدث التحول الحقيقي في قيادة الحزب الا بصعود حميد شباط وفريقه البقالي والحيمر. وبنحمزة في صراع مرير مع عائلة الفاسي الفهري التي جعلت بوستة يخرج بآخر موقف سياسي في حياته يرمي الى ابعاد شباط عن رئاسة الحزب.
كنت صدفة في لقائي الشخصي مع بوستة منذ اربع سنوات صحبة أشخاص كان منهم ضابط عسكري يبدوأنه متقاعد،و محمد بنيحي الوجاني(موظف وكاتب ومؤلف يعمل حاليا بلجنة القدس)و باحث كان يهئ رسالة الدكتوراه بفرنساعن ثانوية أزرو هو البروفسور محمد بنهلال(أستاذ بجامعة إكس أون بروفانس بفرنسا)،Aix-en-Provence وكان بنهلال يمطر الأستاذ محمد بوستة بأسئلة كثيرة عن ذكرياته عن تلاميذ ثانوية أزرو في زمن دراسته بفاس مثل محمد شفيق(مؤلف المعجم العربي ألأمازيغي ورئيس سابق لخريجي كولجي أزرو الأمازيغيCollège berbère d’Azrou )فسألني بوستة:”ونت منين؟” فقلت له “أنا أمازيغي “ورد علي بشبه استغراب: “كلنا أمازيغ”أو بعبارته “كلنا شلوح”
وكانت تلك المرة التي رأيت فيها محمد بوستة يتكئ وهو جالس على عكاز، فقلت له انك لازلت بصحة جيدة
فقال لي “أنا لاعب لكرة القدم في شبابي “وبدا لي رغم رفقته للعكاز أنه يقاوم الشيخوخة بعزيمة قوية،ولم يظهر للجمهور في الصور قط وهو يحمل العكاز، حتى في الأيام الأخيرة من حياته
جيل سنة 1925 من السياسيين المغاربةوخاصة رؤساء الأحزاب(عبد الله ابراهيم،بنبركة، بن حسن الوزاني ،محجوبي احرضان ، عبد الكريم الخطيب ، ،احمد رضا كديرة علي يعته….. ،) تعلموا في المدارس الفرنسية بالمغرب والخارج،وولدوا وعاشوا شبابهم مع السلطان العلوي يوسف بن الحسن الأول،الذي قضى كل مدة سلطنته على المغرب في الحماية الفرنسية والإسبانية (توفي سنة1927)وهم نخبة استفادت من التعليم والسياسة الفرنسية، وقضت هذه النخبة حياتها السياسية مع خمسة سلاطين من العلويين(المولى يوسف، محمد الخامس ، محمد بن عرفة، الحسن الثاني ، محمد السادس)،وهم الذين تَرَكُوا لأجيال المغرب السياسي الحالي سياسة التلون الحربائي مع من يحكم البلد،وأسميهم هنا ب”مخزنوقراطيةMakhzenocratie”، سواء كان فرنسا أو اسبانيا أو السلاطين المغاربة، وسياسة الدهاء،والمكر السياسي،و الجمع بين المعارضة والاندماج في السلطة،حسب المصالح..
والجمع بين الثروات والقصور والسياسة والحكم.
امتاز محمد بوستة بكونه ترأس حزبه لفترة زمنية محدودة ولم يتمسك برئاسة الحزب مدى الحياة، ولم يمت على كرسي الرئاسة كما وقع لعلال الفاسي،وَعَبَد الرحيم بوعبيد،والمحجوب بن الصديق،والمعطي بوعبيد وعلي يعته وَعَبَد السلام يس… ولم يتمسك بكرسي الرآسة الحزبية حتى يخرف بالشيخوخة والأمراض ،أويطرد منه….
ولكنه ترك مقعد الرئاسة لشريكه في مكتب المحاماة عباس الفاسي، وظل يدير خيوط الحزب عن بعد،
كان وزيرا للعدل في فترة لم يكن للمغرب فيها دستور(يونيه1961) وليس صدفة أن يتولى أحد وزارة العدل بعد وفاة محمد الخامس(فبراير1961)بعدة أسابيع،ليستمر الى حلول سنة 1963زمن بداية المؤامرات لإسقاط حكم الحسن الثاني في مغرب مابعد سنة1956
يتميز الدفن السياسي لخدام المخزن بخلق هالة إعلامية وأداء طقوس يشترك فيها جهاز الدولة وتوابعه،ويختار مكان الدفن في نوع من المقابر تسمى “مقبرة الشهداء”خاصة التي تقع في الرباط والدار البيضاء، حتى بالنسبة لمن يستحيل تصنيفه ضمن الشهداء،وتتميز مراسيم محمد بوستة بالخروج عن نطاق مواقع مقابر الشهداء ليدفن في مدينة مراكش المشهورة بقبور أسرة سلاطين السعديين…وهي طريقة “الدفن بمحل الولادة” رفضها كثيرون من أمثاله
وقد حان الوقت ليعرف المغاربة أن صفة” الشهداء”لاتكتسب بمجرد الدفن في مقبرة تحمل الاسم، وأن الذين ولدوا في غير الدار البيضاء والرباط هجروا مقابر أجدادهم التي تكون في الغالب من الهوامش التي لايرضي بالدفن فيها بعض من صاروايطمحون الى موقع سياسي حتى بعد وفاتهم.
الرباط 2مارس2017