
والذي نبرزه هنا، هو أن الله يتعالى عن إثبات المثبتين وعن نفي النافين. فهم عندما يثبتون، يجهلون أن إثباتهم منهم وإليهم؛ وعندما ينفون، فنفيهم عليهم. ولو تنبه الفريقان إلى حقيقة الأمر، لتوقفا عن الخوض في هذه المسألة، بالطريقة المعتاد تناولها بها. وهذا يميط اللثام عن مدى الجهل لدى الإنسان، سواء أكان من المؤمنين أم من الكافرين. والفرق بين المؤمن والكافر ليس في مدى موافقة الحق وإصابته، وإنما في الإيمان وحده؛ لأن الإيمان هو تبرؤ من العلم بالنفس، عند اللياذ بالله فيما أخبر به في وحيه.
أما العلماء بالله، فيعلمون به سبحانه حقائق الأمور، فيكون علمهم لدنيا ربانيا، يُلحق بعلم الله. ولو علم الناس حقيقة الربانيين، لنسبوا أمورهم كلها إلى الله لا إليهم؛ ولكن جرت العادة أن يُعامل الشبيه بشبيهه في الظاهر. وهذا بحر لا يُخاض، ومرام لا يُراد، والعلم فيه سريع التقلب، يكاد لا يثبت إلا مع الصمت.
بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني.